في أربعين جورج قرم: رحيل رجل القيمرأي مها الخليل الشلبي الخميس 19 أيلول 2024
0
تتجلّى القيم في محورَين: قيمة الأشياء، وقيمة الإنسان. أما المعنى الحقيقي للقيم فيكمن في الأثر الذي يتركه الفرد في النفوس. لقد كان لجورج قرم قيمة استثنائية، ليس فقط لمن عرفه عن قرب، بل للبنان بأسره حتى خارج الحدود. لقد أضفى ذكاؤه عمقاً على مداخلاته، وجعل من أفكاره منارة لكل باحث عن الحقيقة. كان فكره واضحاً وجليّاً، وحدسه دائماً صائباً، مُحكماً ودقيقاً.أما مؤلفاته، فمراجع لا غنى عنها. شغفه العميق بالكلمات واللغات، والفنون، والرياضيات، والاقتصاد، والسياسة جعل منه إنساناً متمكّناً بمعارف متنوعة ومتداخلة. كان شغوفاً بنشر معرفته، وبسخاء لا مثيل له، يدهش كل من استمع إليه. لم يكن أحد يجلس إليه إلا وأصغى بإمعان، مستمتعاً بهذا النهر الذي لا ينضب من المعرفة. كان «رجل القيم» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ نبيلة. وهنا أتحدّث عن القيم التي لا يعرف سرّها إلا العظماء. هي القيم التي أضاءت مسيرة جورج قرم طوال حياته، ترشده كمنارة لا تنطفئ. صدقه النادر في هذا الزمن سيظل مرجعاً يُستشهد به. استقامته الثابتة ستبقى المثال الذي يحتذى به، نزاهته توجّه كل قراراته في كل موضع. على مدى ثلاثين عاماً، دون انقطاع، كان جورج قرم رئيساً فخرياً لـ«الجمعية الدولية للحفاظ على صور» - فرع لبنان، حيث أدّى دوراً محورياً وترك بصمة لا تُمحى. لقد كان احترامه للمعايير الإدارية نادراً واستثنائياً، وإيمانه العميق وقناعاته الراسخة منبعها حبّه للخير والعطاء. طوال دعمه لجمعيتنا، كانت أفعاله تتماشى دوماً مع أقواله، وتجسدت في تفانيه المطلق للمصلحة العامة. التزامه الثابت كان مثالاً يحتذى به، باعتراف الجميع دون استثناء. كيف يمكننا أن نعبّر عن امتناننا العميق، نعم، لا أبالغ حين أقول إن جورج قرم كان رجلاً عزيزاً على قلوبنا. جورج قرم، رجل استثنائي، جسّد أسمى القيم التي تتفق الأديان على تمجيدها والاعتراف بها. واليوم، في الذكرى الأربعين لرحيله، أحيّي عائلته، وأصدقاءه، وكل من عرفه، لأنهم بلا شك على يقين أنه حتى بعد مرور أربعين عاماً سيظلّ اسم جورج قرم يتردّد كلّما نُطق تعبير «رجل القيم». لروحك السلام يا صديقنا.
* الأمينة العامة لـ«الجمعية الدولية للحفاظ على صور»
0 تعليق
الرجاء تسجيل الدخول لإضافة تعليقالتعليقات
مقالات ذات صلة
الديموغرافيا كمحدِّد لمستقبل النظام الانتخابي الأميركي
كاريكاتير